وادي الشاطئ:معاناة على طول الطريق
خلال العام 2023، زارَ وفدٌ من مصلحة الطرق والجسور التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المناطق المجاورة لبلدية براك في منطقة وادي الشاطئ، في جنوب غرب ليبيا، لتفقّد المشاريع المُنفَّذة. كما التقى نائب رئيس الحكومة، رمضان أبو جناح، وفداً من مكوّنات المنطقة الجنوبية لبحث أوضاعها والصعوبات التي تعاني منها، وتلبية احتياجات سكانها.[1] لكن على الرغم من هذه الزيارات، لم يتحسّن وضع المنطقة في الإجمال. تسلّط هذه الورقة الضوء على حالة الطرق في منطقة وادي الشاطئ، لتوضيح الخلل الكامن في نظام الإدارة المحلية، وتأثيره عموماً على الخدمات العامة.
تتمتّع منطقة وادي الشاطئ بموقع استراتيجي يشكّل بوابةً لمنطقة فزان في جنوب غرب ليبيا. فهي شريط جغرافي يمتدّ غرباً على مسافة 170 كيلومتراً، ويشرف على طريق سبها – طرابلس. تبعد المنطقة عن العاصمة طرابلس 710 كيلومترات جنوباً، وعن عاصمة الجنوب سبها 75 كيلومتراً شمالاً. أما عدد سكانها، فيتراوح بين 80 و90 ألف نسمة، يعمل معظمهم في قطاعَي الزراعة وتربية المواشي.[2] وتتميّز المنطقة باحتوائها على موارد طبيعية متنوّعة، مثل المياه، والرخام، والرمال، والحديد، وغيرها.[3] يتيح موقعُ المنطقة وتعدّدُ مواردها مقوّماتٍ تدعم التنمية والاستثمار فيها، وتُمَكّنُها من أن تكون مركزاً لوجستياً للربط بين الشمال والجنوب، ولإقامة مختلف الصناعات التعدينية.[4]
عانى سكان منطقة وادي الشاطئ خلال العقود السابقة من ضعف قطاع الخدمات العامة، بسبب تأخّر الحكومة في وضع خطط التنمية وتنفيذها.[5] فقد شهدت المنطقة منذ العام 2011 تدهوراً ملحوظاً في تقديم الخدمات العامة، ولا سيما في الجزء الغربي منها، نتيجة انعدام الاستقرار الأمني، والانقسام السياسي، والحكومات المتتالية.[6] فمدارس المنطقة مثلاً تفتقر إلى الأثاث، وجدرانها متهاوية، ولا توجد فيها ساحات مهيّئة للطلاب.[7] والحال ليس أفضل في القطاع الصحّي، حيث يعاني معظم المراكز الطبية من نقص حادّ في اللوازم الأساسية والأدوية الضرورية، كأمصال العقارب.[8] كما إن الضعف يطال الخدمات المصرفية، مثل توفير السيولة المالية، وتحويل الأموال وسحبها، وتصديق الصكوك.[9]
إضافةً إلى ضعف الخدمات العامة، تعاني شبكة الطرق في المنطقة من إهمال واضح منذ تسعينيات القرن الماضي. فحتى هذا اليوم، لا يزال الطريق الرئيس، الذي يمتدّ على مسافة 170 كيلومتراً، الطريق الرئيس الوحيد في المنطقة، على الرغم من ازدياد عدد سكانها. هذا ويفتقر طريق الجزء الغربي من الوادي إلى العلامات الإرشادية ومحطّات الوقود، ناهيك عن أن تأخّر الصيانة والأعمال غير المطابقة للمواصفات أدّيا إلى تهالكه، وزيادة التشقّقات والحُفَر فيه. كذلك، لا تزال أجزاء من الطريق الرابط بين أدري وتمسان، والممتدّ على مسافة 15 كيلومتراً، من دون إسفلت.[10]
فضلاً عن ذلك، تتسبّب تعدّيات السكان ومستخدمي الطريق، وجهلهم للقانون، بانهيار الطريق وتضرّره. فشاحنات النقل الثقيل تتجاوز حمولة الـ60 طنّاً المُحدَّدة وفقاً للقانون، ما يزيد تضرّر الطريق مقارنةً بحمولة السيارة العادية.[11] هذا ويعمد الكثير من السكان إلى التعدّي على حرم الطريق والبناء بالقرب منه، فمنهم مَن يشقّ مسار الطريق المعبّد بهدف تخفيف سرعة السيارات، ومنهم مَن يحفر الطريق بشكل أعمق لتوصيل خطّ كهرباء أو مدّ ماسورة مياه لمنازلهم أو محلّات عملهم. وإذ لا يُصار إلى إعادة الطريق إلى حالته الأصلية بعد هذه التعدّيات، تتفتّت أجزاء منه حتى ينهار.[12]
يتعرّض السكان يومياً لصعوبات ومخاطر متعدّدة جرّاء حالة الطرق في المنطقة، منها تعرُّض سائقي السيارات للسطو المسلّح على يد قطّاع الطرق.[13] وإلى جانب حوادث الاصطدام التي يتسبّب بها غياب العلامات الإرشادية، يضلّ العديد من السائقين طريقه ليلاً.[14] وتواجه النساء الحوامل أيضاً خطر الإجهاض عند التنقّل بين منطقة وأخرى في الجزء الغربي من الوادي، حيث يضطّر السائق إلى استخدام طريق وحيد غير معبّد مليء بالحُفَر والمطبّات،[15] وهو ما يزيد وقت الرحلة، ويصعّب عليهنّ الوصول إلى مراكز الرعاية الطبية، التي يبعد أقرب مركز منها 60 كيلومتراً شرقاً.
وكان لحالة الطرق أثرٌ اقتصاديٌّ مباشرٌ على سكان الجزء الغربي من الوادي، إذ ازدادت تكاليف الشحن في السنوات الماضية، ما أسفر عن ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية. ثم إن الحالة السيئة للطرق تزيد استهلاك قطع غيار السيارات، وتؤثّر سلباً على مستوى المعيشة.[16] ومن الناحية الاجتماعية، أوقف بعض الأهالي أبناءهم عن الدراسة بسبب صعوبة التنقّل، ذلك أن عدداً كبيراً من الطلاب يضطّر إلى قطع مسافة 5 كيلومترات من منطقة إلى أخرى. هذا وقَلَّ تواصلُ السكان فيما بينهم، نظراً إلى صعوبة تنقّلهم من منطقة إلى أخرى لزيارة أقاربهم ومعارفهم.[17] هذه العوامل كلّها صعّبت الوصول إلى الخدمات العامة، ودفعت بعض سكان الجزء الغربي من وادي الشاطئ إلى النزوح إلى مناطق أخرى للحصول على مستوى خدمات أفضل.[18]
الشكل 1: خريطة وادي الشاطئ
يعتري نظام الإدارة المحلية خللٌ لأن القانون رقم (59) بشأن الإدارة المحلية، الرامي إلى تأسيس الهيكلية الإدارية، لم يُطبَّق تطبيقاً كاملاً، ما أنتج نظاماً شبه مركزي. فمن المفترض أن تتكوّن الإدارة المحلية من هيكلية ذات مستويات أربعة، هي وزارة الحكم المحلي، وجهاز المواصلات، والمحافظة، والبلديات، يقع على كل مستوى منها دورٌ محدّدٌ لتنفيذ مشاريع الطرق. فجهاز المواصلات يتولّى التخطيط ووضع التقديرات المالية اللازمة لتنفيذ المشاريع، ووزارة الحكم المحلي تُعنى بتوفير الدعم المقدّم من الحكومة، فيما تضطّلع المحافظة بالرقابة والإشراف العام على تنفيذ المشاريع في البلديات، وتتولّى هذه الأخيرة متابعة المشاريع الواقعة ضمن نطاقها. بيد أن غياب الوحدة الإدارية للمحافظة ولّد فجوةً في النظام الإداري، حيث افتقرت البلديات إلى الصلاحيات أو التمويل أو الدعم الكافي لتنفيذ أيّ مشاريع على الأرض.
ما كان من ذلك إلا أن أثّر سلباً على نوعية الخدمات العامة، حيث أصبحت البلديات المجاورة للمركز أفضل حالاً من البلديات البعيدة. فكلّما ابتعدنا عن العاصمة طرابلس، لمسنا تدهوراً حاداً في الخدمات المُقدَّمة للسكان، وهو ما يمكن ملاحظته على نحو خاص في بلديات الجنوب، التي عانت من تهميش وإهمال واضحَين خلال العقود السابقة. ولمّا كان القانون (59) قد منَحَ البلديات صلاحياتٍ إداريةً فقط، لم تتمكّن من التصرّف بالأموال والموارد المحلية، ناهيك عن أنها لم تَعُد تملك صلاحية التعاقد على المشاريع أو متابعة القائم منها، في وقتٍ تصرف فيه الحكومة الأموال للأجهزة المركزية بقِيَمٍ وأرقامٍ عالية.
الشكل 2: هيكل الحكم المحلي في وادي الشاطئ
نتيجةً لهذا النظام، تراجعت فعالية الحكومة المحلية، المتمثّلة في البلديات، وتضاءلت قدرتها على إدارة الشأن المحلي، حيث غاب دورُها في صيانة الطرق الحالية، وفتح مسارات جديدة فيها، والإشراف على منع الاعتداءات عليها. فلا يوجد مثلاً جهازٌ لصيانة الطرق في منطقة وادي الشاطئ.[19] وبينما تُنشَأ طرق جديدة في المناطق القريبة من المركز، لا تحظى المناطق البعيدة بأيّ صيانةٍ لطرقها، ولا تُنشأ فيها طرق جديدة تلبّي احتياجات سكانها. وعلى الرغم من تواصُل البلديات مع الحكومة المركزية، لا توجد استجابةٌ تُذكَر، ما يطرح تساؤلات عن آلية التواصل بينهما.
والواقع أن تنفيذ مشاريع الطرق يتأخّر جرّاء الصعوبات العديدة في كل مرحلة. ففي مرحلة التعاقد، تطالب الحكومة الشركات بإجراءات إدارية معقّدة، على غرار الملفّ الضريبي، وموافقات الجهات الرقابية وديوان المحاسبة، كما تطالب الشركات بالأموال قبل تنفيذها أيّ مشروع.[20] وخلال مرحلة تنفيذ المشاريع، يتّضح ضعفُ إمكانات الشركات المحلية قياساً على حجم المشاريع المُتعاقَد عليها.[21] فعلى سبيل المثال، تتأخّر الشركات في إجراء اختبارات دمك التربة وتحليلها، وتواجه عوائق لوجستية، مثل بُعد الخلّاط عن موقع العمل، وبُعد المسافة عن الموانئ، الأمر الذي يؤدّي إلى بطءٍ في توريد المواد الخام، وعوائق مالية كارتفاع أسعار هذه المواد، وعدم صرف الميزانية لمصلحة الطرق والجسور في المنطقة الجنوبية.[22] هذه الإشكاليات تعود إلى عدم منح البلديات صلاحيةَ متابعة المشاريع وتقييم الشركات المُنفّذة لها.[23]
أَضِف إلى ذلك أن الحكومة لم تُجرِ المتابَعةَ اللازمةَ لمشاريع الطرق، فمنها ما جرى التعاقد عليه قبل العام 2011 ولم يُستأَنف العمل فيه، ومنها ما تأخّر تسليمه. فقد توقّف مثلاً تنفيذ مشروع طريق برقن – أدري، الذي وُقّع عقده في العام 2008، كما توقّف مشروع طريق قطة – أدري منذ العام 2011. في المقابل، تتولّى الحكومة تنفيذ مشاريع صغيرة، مثل مشروع طلاء وتركيب عواكس وسياج واقٍ لطريق سبها – براك، ومشروع بناء مداخل لبلدات تاروت، وحيّ المشاشية، وآقار، وهي مشاريع لم تحسّن حالة الطرق أو تَنقُّل سكان منطقة وادي الشاطئ. كما إن الحكومة لم تعاقب المعتدين على الطرق، أو تفرض عقوبات على الشاحنات التي تتجاوز الحدّ الأقصى للحمولة المُحدَّد بـ60 طنّاً.
دفع تأخّر الحكومة في تنفيذ مشاريع الطرق السكانَ إلى التدخّل لمعالجة تهالك الطرق. فسكان بلدية أدري يبادرون بشكل منتظم، منذ العام 2012، إلى ردم الحُفَر بجلود الحيوانات، ومعالجة التشقّقات باستخدام الطين ومخلّفات الزيوت، في محاولةٍ لتحسين وضع أجزاء من طريق قطة – أدري.[24] وفي ظلّ عجز البلدية عن معالجة الوضع، تقدّم السكان باقتراح لوزارة المواصلات من أجل إنشاء طرق بديلة، ولكن لم تُحقَّق أيّ نتائج تُذكَر.[25]
لا بد ّمن معالجة المشاكل التي تعاني منها شبكة الطرق في منطقة وادي الشاطئ، إذ يُرجَّح أن يزداد وضعها الحالي سوءاً مع الوقت. فمن شأن تحسّن وضع الطرق أن يُمَكّن السكان من الوصول إلى الخدمات، والتنقّل بين البلديات، والتواصل فيما بينهم. ولذا، من الأهمية بمكان معالجة جملةٍ من التحدّيات الإدارية والمالية واللوجستية، فضلاً عن العوامل المتعلّقة بالقبَليّة والفساد الإداري. أولاً، يجب وضع خطة لصيانة الطرق واستئناف المشاريع المتوقّفة، والتعاقد مع شركات ذات إمكانات تتناسب مع حجم المشاريع. ثانياً، ينبغي تحديد الأدوار وتوزيع المهام بين الحكومة المركزية والبلديات. ثالثاً، لا بدّ من إنشاء بروتكول للتواصل بين الحكومة المركزية والبلديات من جهة، والسكان والبلديات من جهة أخرى.
[1] الوسط، “أبو جناح يبحث احتياجات الجنوب مع وفد من مكونات المنطقة “، 6 أكتوبر 2021، https://alwasat.ly/news/libya/334949.
[2] مقابلة مع رئيس جامعة وادي الشاطئ، مقابلة هاتفية، 19 أبريل 2023 ومقابلة مع أحد سكان منطقة محروقة، مقابلة هاتفية، 19 أبريل 2023.
[3] مقابلة مع كاتب سياسي، مقابلة هاتفية، 4 مايو 2023.
[4] مقابلة مع رئيس جامعة وادي الشاطئ، مقابلة هاتفية، 19 أبريل 2023.
[5] مقابلة مع أستاذ صيدلة بجامعة سبها، مقابلة هاتفية، 1 مايو 2023.
[6] مقابلة مع رئيس جامعة وادي الشاطئ، مقابلة هاتفية، 19 أبريل 2023.
[7] مقابلة مع أستاذ صيدلة بجامعة سبها، مقابلة هاتفية، 1 مايو 2023.
[8] مقابلة مع أحد سكان منطقة محروقة، مقابلة هاتفية، 19 أبريل 2023.
[9] مقابلة مع أحد سكان منطقة منصورة، مقابلة هاتفية، 1 مايو 2023.
[10] مقابلة مع أحد سكان منطقة ونزريك، مقابلة هاتفية، 17 يونيو 2023.
[11] مقابلة مع مدير مصلحة الطرق والجسور فرع سبها، مقابلة هاتفية، 19 يونيو 2023.
[12] المرجع السابق.
[13] ملاحظة شخصية.
[14] مقابلة مع أحد سكان منطقة ونزريك، مقابلة هاتفية، 17 يونيو 2023.
[15] مقابلة مع عميد بلدية أدري، مقابلة هاتفية، 9 يوليو 2023.
[16] مقابلة مع أحد سكان منطقة ونزريك، مقابلة هاتفية، 17 يونيو 2023.
[17] مقابلة مع أحد سكان منطقة أدري، مقابلة هاتفية، 11 يونيو 2023.
[18] مقابلة مع عميد بلدية أدري، مقابلة هاتفية، 9 يوليو 2023.
[19] مقابلة مع مدير مصلحة الطرق والجسور فرع سبها، مقابلة هاتفية، 19 يونيو 2023.
[20] مقابلة مع أحد سكان منطقة ونزريك، مقابلة هاتفية، 17 يونيو 2023.
[21] مقابلة مع مدير مصلحة الطرق والجسور فرع سبها، مقابلة هاتفية، 19 يونيو 2023.
[22] مقابلة مع مدير مصلحة الطرق والجسور فرع سبها، مقابلة هاتفية، 19 يونيو 2023.
[23] مقابلة مع عميد بلدية أدري، مقابلة هاتفية، 9 يوليو 2023.
[24] مقابلة مع أحد سكان منطقة أدري، مقابلة هاتفية، 11 يونيو 2023.
[25] المرجع السابق.
31 أكتوبر 2024
18 أبريل 2024
15 أبريل 2024